معسكر رجال و تاريخ
للا ستاذ جلول جيلالى
الفهرس
للا ستاذ جلول جيلالىDcoupage1-0011
كلمة الباحث.................................. 03
المرحوم سيدي يخلف..................... 11
سيدي محمد................................ 16
سيدي أحمد أغربي....................... 20
سيدي أمحمد............................... 23
سيدي بن يخلف............................ 27
الشيخ بن حواء............................... 32
الشيخ محمد بن حواء بن يخلف........ 43
الشيخ عبد القادر بن جلول............... 48
الشاعر المعسكري عبد القادر بن حواء................ 58
سيدي علي بن عثمان..................................... 64
سيدي عبد الرحمان......................................... 69
الشيخ العلامة مصطفى بن عبد الله الدحاوي....... 73
أبو يعقوب........................................... 87
أبو زكرياء المدعو سيدي بوسكرين................ 88
سيدي مَحمد بن يحيى.............................. 92
أبناؤه الثلاثة............................................... 98
سيدي محمد الأعرج................................... 99
سيدي البشير............................................ 103
سيدي أحمد بن يوسف............................... 116
سيدي أحمد المختار.................................... 120
سيدي قادة بن أحمد المختار.......................... 120
الشيخ الطيب بن المختار................................ 126
الشيخ سيدي محي الدين............................. 132
قاضي القضاة البشير مصطفى بن حسن بن علي........ 135
أبو طالب أحمد بن محمد الغريسي............................. 141
الشيخ سيدي أحمد بن علي..................................... 148
سيدي سحنون........................................................ 151
سيدي الهاشمي..................................................... 154
العالم الجليل سيدي أحمد بومعزة.............................. 155
المرحوم أحمد بن سحنون......................................... 156
خليفة الأمير عبد القادر بن مصطفى التهامي............... 162
الشيخ عبد القادر بن مصطفى الفرحاوي..................... 166
الخاتمة................................................................. 170
قائمة المراجع........................................................ 171
كلمة الباحث
إ
نني لا أقدم نفسي بقدر ما أقدم بحثي ليقوم أستاذي بتحقيقه كنتاج لعوامل حضارية مختلفة، فما أنا إلا واحد من مائة مليون عربي لا قيمة كبرى لوجودي كانسان يصارع عقليتين متناقضتين عقلية القرون الوسطى التعميمية التجريدية و عقلية القرن الواحد و العشرين العلمية التكنولوجية
إنما بحثي وتنقيبي هو كما قلت نتاج تفاعل حضاري في منطقة معينة من المناطق العربية التي تعرضت لريح العصر التي تحمل حينا بذور الحياة و تارة تخلف بذور الموت.
لا أطيل هذا البحث إذا كان القارئ، عرف الكثير عن الجزائر في العهد الأسباني و العثماني، فهل يعرف شيء عن جزائر الاستعمار الفرنسي.
وأنني أختم كلمتي هذه المضطربة لأنها مرتجلة بالقول وأنني كواحد من الباحثين أفتخر بهذا وأعتز به، لأنه سيقوم بتصحيحه و تحقيقه أستاذي السيد فوغالي أطال الله في عمره حتى يحقق لنا إنجازات أخرى إن شاء الله.
الأستاذ : جلول الجيلالي
الباحث في التراث الثقافي
.
مــقــدمـــة
الحمد لله الذي علمنا ما لم نعلم، و فضلنا على الكثير من خلقه وعظم و كرم و هدانا لدي نه، وما كنالنهتدي لولا أن هدانا الله ومن علينا بما شرع من دين الإسلام الحنيف و ارتضاه و جعلنا من أمة محمد ? B ?، أحمده حمدا و أصلي و أسلم علي الرسول عدد المرات، الصادق الأمين الذي أرسله رحمة للعالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده و رسوله وأن ما جاء به من عند الله هو الحق و الصدق صلى الله عليه وعلى آله و أصحابه صلاة نرجو بها ثواب رب العرش العظيم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا، و جعل فيهم قادة يدعون بأمره إلى دار السلام، فجعلهم الأمائل الكرام والأعلام العظام فطهرهم من أنواع القذر و أضرار الآثام وسيرهم بفضلهم من أولى الشهر و الألباب. ووقفهم على لزوم طاعته و الدوام على مراقبته على تكرار السنين و الأيام واختار من جميعهم حبيبه و خليله عبده و رسوله محمد
وقد أودعت من نفائس الكتب ما يتنافس فيه المتنافسون وانفردت من نوادر المصنفات بما لم يشاركهم فيه غيرها من العلماء المؤلفين فيقال فيه شركاء متشاكسون ومع المساهمة في التقييد والاشتمال في محبة العلم و أهله علي ما يقتضى بمتين دينه و وثاقة نسبه.
أحب كل مؤلف أن يخدم العلم ليبقي هذا التأليف طالعه في الأفق كالنجوم السماوية ليكون بالاختصاص بوضعه و يدخر بالخزانات السعيدة ليصير كلمة باقية في عقبه
فشرعت في ذلك بعد أن استخرت الله ولا خيبة لمستخير واستشرت فيه أهل المشورة و لا ندم لمستشير، و أصل كل قبيل من القبائل بقبيلته، و ملحقا كل من الفروع الحادثة بأصوله مرتبا على حروفه المعجم ليكون أسهل لاستخراج قبيلة و اقرب إليه في الاقتطاف من تناوله. ثم أن هذا التأليف وان كان من أربعة تآليف قد جمع فأوعى طمع في الاستكثار فلم يكن بالقليل نوعا و لم يتضمن القبائل الغريسية بأجملها و صعوبة حصرها، فان ذلك يتعذر جمعها. فلا يشك فينا أحد و يعز على المتطلب الوصول إليها.( 1 )
فيقول أفقر الورى إلى رحمة مولاه، العبد الذليل الحقير الراجي عفو ربه و رضاه محمد بن محمد بن عبد الله بن أبي جلال الراشدي دارا، الجيلالي نسبا، المالكي مذهبا و سميته مجموعة تفاصيل الأنساب وما يتعلق بأحوال الراغبين ذكرهم في سجل الكواكب العلامة الأوحد الجهبذ الكامل أبي مهدي الشيخ سيدي عسى بن موسى التجني ضمنها من كان على عهده أو قريبا منه من العلماء العاملين و الأولياء الكاملين و الأئمة الراسخين من أهل الوطن الراشدي نفعنا الله بهم وأمتنا على حبهم.
و ما تضمنته هذه المجموعة من ذكر السادات الشرفاء ينابيع المعارف و مصابيح الظلمات إذ بذكرهم تتنزل الرحمات فأجبته حفظه الله امتثالا لأمرهم رحمهم الله و الله المسؤول أن يفتح لنا أبواب فضله و يسقينا من ينابيع فيضه. و أقول قبل الشروع أن العلامة الإمام الدراكة الشيخ سيدي عيسى بن موسى التجيني دفين وادي التاغية كان لبني توجين على عهد دولة بني مرين، و دولة بني زيان و كانت عاصمتهم تيهرت و لأميرهم محمد بن عبد القوي بن عطية التجيني يد في إعانة السلطان أبى سالم المريني على حرب بني زيان أمراء تلمسان كما هو معروف في كتب التاريخ وقد بسطنا الكلام على ذلك في كتابنا اللسان المعرب عن تهافت المعمرين حول المغرب ففيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وقد تفقه الناظم رحمه الله على الإمام محمد ابن أحمد بن غازي عالم فاس و شيخ جماعتها و قرأ على تلميذه سيدي عبد الله بن عبد الرزاق الغريسى الشريف الحسني وغيرهما من علماء وقته و أخذ عنه العلم جم غفير من علماء الراشدية، نفعهم الله بعلمه توفي رحمه الله بغريس سنة اثنين وستين و تسعمائة قال رحمه الله فيما قصده من ذكر الأولياء من أهل وطنه الراشدي فقال :
وفي راشد جمع و هم بنو رشدا و وحل من الأنجـاد كل بغارب
راشدا : جبل عظيم ببلاد الجزائر مما يلي الصحراء و في ضمنه جبال تعرف بأسماء لها كجبل وانشريس وجبل العمور ومن مدينة مليانة وتيهرت والقلعة و مستغانم و مازونة و جبل الراقوبة بمعسكر و غيرها، ومن سهولها يسر و قاعدته مدينة معسكر و تدعى بالراشدية وهي التي عناها الشيخ مصطفى الرماصي محشي التتائي في بعض أجوبته بقوله ( و أراك أيها السائل تحتفل بكلام عبد الباقي )( 1 ) وذلك بمعزل عن التحقيق لأن شرحه وشرح الخرشي لا نكترث بهما في بلاد الراشدية لعدم تحقيقهما و عمدتهما كلام الأجهوري و هو كثير الخطأ. وجبل راشد مقر شعوب زناته و البربر قبل الإسلام و بعده منهم بنوا توجين و بنوا راشد و بنوا كحيل جهة الصحراء و مغراوة جهة الغرب و مهاجة جهة الشمال على الساحل البحر المتوسط و الناظم رحمه الله ذكرهم في منظومته من الرجال المستوطنين ببسيط غريس ( و سمي غريسا لأنه كان مغروسا بأنواع الشجر ذوات الأثمار )( 2 ) و كان سكانه من بنى زروال و من سكانهم من بني توجين و مغراوة قاطنين في قرى تزيد على المائة ولما كان الفتح الإسلامي ودخل المسلمون أفريقية عمدت الكاهنة لإحراق الأشجار و هدم الديار ليقف تيار العرب عن التوغل في البلاد لما بها من الخراب و الفساد و وطئ العرب صياصيها و قبضوا علي نواصيها كما هو مبسوط في التاريخ و أصبح غريس وليس به من العمارة اسم و لم يبق بيد أهله إلا الاسم وعلى عهد الموحدين نزل بغريس قبيل الحشم من قبائل سلم و زغبة و بينهم أفراد من قريش لا زال عقبهم يعرفون لهذا العهد بالأجواد وعلى عهد بنى زيان أمراء تلمسان اتخذ يغمراسن منهم قبيل الحشم جيشا له وسماهم الحشم وجعلهم حصنا حصينا بينه و بين أعدائه بنى توجين أمراء تيارت، واختار لهم مدينة معسكر حيث اتخذوها قاعدة عسكرية لهم و لذالك سموها بمعسكر، انزل معهم كثيرا من القبائل بني عبد الواد كبني ورسنو بني غاسول وغيرهم و صارت لهم الرئاسة على زناته أهل الوطن الأصليين ولما انحل نظام دولة بني زيان في أوائل القرن العاشر اشتد ظلم الحشم على أهل الوطن من زناته و أجلوهم عن غريس فتفرقوا في نواحي الأقطار ومن بقي منهم اندمج تحت الحشم. وصارت الأرض ملكا للحشم إلى أن صارت لما هي عليه الآن ولهذا الوطن بيوتا من الأشراف الفاطميين سكنوه في أوقات مختلفة فأول مرتبة منهم بني سليمان ابن عبد الله بن الحسن المثني بن الحسن السبط بن علي كرم الله وجهه وفاطمة بنت رسول الله ? B ? وهم أحد عشر فرعا معروفة في كتب أنسابهم منهم فرع تلمسان، وآخر ببجاية وآخر بجبل أزواوه، و آخر بجبل العفيون، وآخر بجبل زيدوك وآخر بواد يسر و آخر ببلاد مغراوه و آخر بمليانة وآخر ببني اسنوس، و آخر ببني يزناسن، وقليعة منهم سيدي و أرياش دفين مليليا، و آخر بصحراء جبل العمور، و لكل من هؤلاء عمود متصل بسليمان بن عبد الله الكامل يطلب من محله و لم يبق معروفا من هذه الفروع لهذا العهد إلا القليل.
وأما الأدارسة الحسينيون فسبب نزولهم المغرب الأوسط إنهم استقروا به عند سقوط دولتهم علي يد بنى العافية أولا ونجا منهم من نجا و انتشروا بين قبائل زناته و البربر و هنا كفرع أخر من الأشراف الحسينيين كان مجيئهم من صقلية عند استيلاء النمارديين عليها و انجلي منهم عنها من اختار الهجرة إلى سبته و الأندلس و افريقية ممن اختار الإقامة بجبل راشد، أسلاف سيدي راشد بن فرقان.
المرحوم سيدي يخلف
وفي تأليف للشيخ أبو الحسن علي بالبوري والذي سماه على بركة الله " الجوهرة الكبرى "، هذا التأليف يتضمن أشراف وأعيان منطقة غريس فمن بينهم سيدي يخلف.
مولده : ولد سيدي يخلف بن على بن يحي بمنطقة فليته بالراشدية سنة 729 هـ.
نسبه : سيدي يخلف بن على بن يحي بن راشد بن فرقان بن حساين بن سليمان بن أبي بكر بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمان بن إدريس بن سليمان بن موسى بن عبد الله بن أبي جعفر الصادق بن زين العابدين بن الحسين بن علي كرم الله وجهه و رضي عنه و ابن فاطمة بنت رسول الله
دراسته : لقد تعلم مبادئ العلم في صغره فحفظ القران الكريم حفظا دقيقا في مسقط رأسه، لقد كان عالما في القران الكريم و ذلك علي الشيخ ابن يعقوب الصنهاجي المعروف في ذلك العهد، و أظهر نجابته، لقد كان ماهرا برواية القرآن و فنون علومه، من بيان وأحكام و ناسخ و منسوخ مع التفوق في الفقه والحديث والتفسير وقد كانت تعجبه هذه الآية الكريمة ? فيما تشتهيه الأنفس و تلذ الأعين ?
سفره إلى المغرب : فقبل سفره إلى المغرب، دعا له مشايخه بالفلاح بعد ما انتفع من علمهم انتفاعا عظيما فأخلاقه المرضية هي التي أهلته، إنه في الحقيقة نسيج وقته و فريد عصره لقد أحيا السنة و أمات البدعة و أظهر من العلم ما يبهر العقول لقد أحبه مشايخه الذي كان يلازمهم قبل سفره. فقرأ في مدينة فاس الفنون المتداولة في ذلك العهد وتعمق فيها كالإسلاميات و الأدبيات وذلك على يد المشايخ التالية أسماؤهم : أبو العباس أحمد بن القاسم والذي له باع طويل في الفقه وغيره من العلوم، أبو عبد الله محمد بن أحمد أخذ عنه التفسير وشرح القواعد. كما مر على الكشاف من أوله إلى آخره قراءة و فهما وحفظا، و بعدها مطالعة فردية، و لازم الأمام العالم الفريد من نوعه الشيخ السبطي حيث حضر الأحكام الصغرى على يد الشيخ عبد الحق و التهذيب و الموطأ و الصحيحين و المدونة الكبرى للإمام مالك. كما تفقه على علماء فاس ففاز في الأصول و الكلام و التضلع من معارفهم و استبحر و تفجرت ينابيع العلوم من مداركه، كما أخذ عن الشيخ " نخبة من جماعة الأشراف" السيد محمد العفيف، وعبد الله بن محمد المكناسي، و العالم الولي أبي بكر، لقد بلغ الغاية القصوى.
عودته إلى بلده : لقد عاد إلى وطنه و صار شيخا كبيرا و مفتيا بجبل الراقوبة لقد كان أية باهرة في جميع العلوم و جميع أحواله كلها مرضية. لقد عاد إلى وطنه الشهير كبير الصدر، شريف النسب عظيم القدر، فقيه و جليل وعاقل وعدل مبرزا.
إنه أحد رجال الكمال علما و ذاتا و خلقا، عالم بعلوم جمة من المنقول إلى المعقول، لقد بلغ رتبة الاجتهاد، بل هو أحد العلماء الراسخين، وأحد أئمة المجتهدين، فلما رجع إلى وطنه انتصب إلى التدريس فبث العلم فملأ المنطقة معارف و هو الأمر الذي جعله نبراسا وهاجا يعشوا إلى أنواره كل قاصد من أهله و ذويه من قبائل بني راشد و كذلك من أقاصي المدن و الأرياف لقد انتفع به الطلبة قراءة و نسخا و تأليفا و كان أكثر اعتنائه بالإقراء، فتخرج به من صدور العلماء و أعيان الفضلاء و نجباء من لا يحصى، و كان مهابا محبا جعل الله محبته في القلوب من رآه أحبه و إن لم يعرفه لقد بجله الملوك و يقدمونه في مجالسهم يلاطفهم تارة و يفصح بالحق و ينصر المظلوم ويقضى الحوائج، ولقد كان مجلسه مجلس نزاهة و دراية و تحقيق، إذا تكلم في مسألة أوضحها نهاره كله بين إقراء و مطالعة و تلاوة وكان يقسم الوقت على الطلبة ينام ثلث الليل و ينظر ثلثه و يصلى ثلثه، يقرأ كل ليلة عشرة أحزاب في صلاته و يقرئ في التفسير نحو ربع حزب كل يوم مع البحث و إذا طال بحث الطلبة أمرهم بالتقييد في المسألة ثم يفصل بينهم وممن أخذ عنه العلم ولده محمد المتنقل إلى ولهاصة، و أمحمد و سيدي بالقاسم دفين غليزان وسيدي إبراهيم دفين ترارة و سيدي عبد الرحمان المغراوي و سيدي عيسى و أبو يعلي، وعدد كثير.
قول عنه سيدي الأزرق دفين غيلزان : لقد عاد أخي سيدي يخلف إلي وطنه وكانت أوصافه قوى الأيمان، بعيد النفس عن الطمع ا يشغله أمر الرزق، ارتاض نفسه للطلب حتى تسهل عليه فنال خيرات الدنيا والآخرة وكان علماء فاس أعرف الناس بقدره و أكثرهم تعظيما له، وكان بعض العلماء إذا ألفوا تأليفا بعثوه إليه وعرضوا عليه وطلبوا منه أن يقيد على ظهر كل صفحة الأخطاء كما كان لبعض علماء فاس، وكلما أشكل عليه شيء كتبوه ليظهر لهم ما أشكل فأقراهم بالفضل. وأما زهده ومروءته ودينه فمعلوم، لقد كان غني النفس بربه، ساكن الجأش، كثير النفقة لا يهتم في أمرها حتى ذكر ابنه محمد لعمه سيدي الأزرق أنه بقي في بعض الأزمنة مدة من الزمن مشتغلا بالعبادة و العلم لم ير فيها أولاده، وذكر عنه أنه لم يأخذ مبلغا في معهده، وإنما كان ينفق من ماله على الطلبة المسافرين وعلى عائلته المتكونة من بنين وبنات لقد لقي الشيخ جلة الأكابر وبقي حمده مغترفا من بطون حواشي الكتب والسنة وأقوال العلماء، كان رضي الله عنه من رجال الدنيا والآخرة، أوقاته كلها معمورة ليلا ونهارا من صلاة وذكر وتلاوة وتأليف.
آثارها الفكرية : إنه فقيه صالح خطيب، وله فتاوى منسوخة إنه الفقيه الأصولي المحدث المفسر، انه عمدة أهل زمانه وله مؤلفات كثيرة غالبها في التفسير، و في أحكام أصول الفقه وسماها الأحكام اليخلوفية وله فصل في التصوف، و في القضاء وله في الأخلاقيات وقد أخذ عنه جماعة من المشايخ كأبي الحسن وأبي القاسم .
وفاته : توفي يوم الخميس عصر رابع عشر من شهر شعبان عام عشرين وثمانمائة، ودفن بجبل الراقوبة ووضعت له قبة لتبقى معلما تاريخيا وخلف ابنين :
سيدي محمد
مولده : ولد سيدي محمد الابن الأول لسيدي يخلف يوم العاشر من شهر جمادى الآخرة سنة 756 هجرية بجبل الراقوبة بمنطقة الراشدية و سمي بالفاضل العلامة الذي جعل للمحاسن علامة.
التعريف بحياته العلمية : إنه الأمام العامل الورع الزاهد المتفنن في كل العلوم الكثير الأحاطة والتحقيق، ولد بالراقوبة وبمنطقة الراشدية و بها نشأ و حفظ متونا في العربية والفقه و المنطق و غيرها وعرض ما حفظه على شيوخ بلده إنه مفتى الأمة علامة المحققين و صدر الأفاضل المبرزين إنه وحيد دهره و فريد عصره، إنه الشيخ البركة الفقيه الأمام المعمر ملحق الأصاغر بالأكابر، مرتقي دورة الاجتهاد بالدليل و البرهان، كان ذا أبهة و بهاء، وجودة مملوءة بعلم انفرد به أي انفراد بعلم المعقول والمنقول واتخذ في علم اللسان والبيان وهو ما عداه من الفنون يفوق الصدور، و يقبض على مزاحمة البحور، كانت له اليد الطولي في جميع العلوم، ومهما أخذ في تدريس فن حسبته لا يعرف سواه و أنه أفنى عمره فيه و ما ذلك إلا لتضلعه و إطلاعه يأتيه الأشياخ فيما يستشكل دونه من الغوا مض فيزيل ما خالج قلوبهم من العوارض و بعد ما نشأ رحمه الله في وطنه، ضاقت نفسه للرحلة في طلب العلم بعد أن حصل ما عند أهل و طنه فدخل على ولهاصة فأخذ بها عن أشياخها وصادف أيام دخوله منطقة ولهاصة الشيخ العلامة حافظ وقته سيدي علي بن مسعود فاتصل به و لازمه.
وكان سيدي محمد ابن يخلف الراشدي لما دخل ولهاصة تصدى لنشر العلم فهرع الناس إليه و حصلت له وجاهة عظيمة عن أهل المنطقة، لقد درس العلم و حصل له إقبال عند أهلها لجودة فهمه و حسن تقريره و هناك تجددت له الرغبة في علم الحديث و كان فيه قبل ذلك من الزاهدين. و يقول بعض مشايخ أهل المنطقة ما وصل إلينا من الراشدية إنه أذكى و أحفظ و كان إذا دخل على جماعة يقولون له : " يا سيدي محمد إنك شيق المستمعين علما و عملا " وهكذا هي عادته ما دخل على أحد المشايخ إلا استفاد وأفاد، إنهم كانوا يستفيدون منه أكثر مما يفيدونه، و بالجملة فهو نادر الوقت و مسند الزمان و فوائده رحمه الله كثيرة، لقد عكف على تعليم العلوم فأفاد الأفراد وأمتع جهابذة النقاد وأسمع كل الأسماع ما أشتهى و أراد.
ومن طلبته : لقد أخذ عنه جماعة من الطلبة من إبراهيم ابن القاسم العقباني وحصل عنه و برع و ألف و أفتى و السيد أحمد ابن الأستاذ الندرومي، و أحمد ابن الحسن العماري، الولي الكبير ذو الكرامات الطاهرة و الآيات الباهرة درس عليه زمنا طويلا فلازمه للتهجد في مسجده، و أخذ عنه أبو الربيع سليمان بن الحسين، وهذا الأخير كان قائما على دراسة المدونة الكبرى وابن الحاجب و يقول هذا الأخير : " حضرت مجلس سيدي محمد ابن يخلف الراشدي درسا في المدونة الكبرى الخ... ".
ما خلفه : لقد أنجب سيدي محمد المتنقل إلى ولهاصة أربعة أولاد : سيدي الأحسن الذي يوجد ضريحه بمديونة و لم يعقب، سيدي قادة الذي يوجد ضريحه بجوار أبيه و له عقب صالح، سيدي الحاج الذي يوجد ضريحه بجوار أبيه وسيدي أحمد الابن الأخير الذي انتقل إلى زواوة و بالضبط إلى عزازقة و يدعى هناك سيدي أحمد أغربي و مزاره هناك تلوح عليه الجلالة والبهاء.
رفاق سيدي محمد بندرومة و تلمسان : لقد ورد في التقيد التالي ما يلي : " تقييد الشهود المرضيين الذي رضوا بهم أهل تلمسان في شهادة الشرفاء، و الحائزين على وثائق ثبوتيه من مدينة فاس و ذلك من القرن الخامس الهجري إلى القرن السابع الهجري الإمام أبو مدين، سيدي أحمد زروق، سيدي إبراهيم المصمودي السلطان مولاي أحمد بن كربوش "، هذه قائمة إسمية لشهادة الشرفاء.
شهود ندرومة : سيدي عيسى بن عبد الرحمان، سيدي محمد بن عبد الله، سيدي علي بن عبد الله، سيدي يوسف بن عمر، سيدي الزوبير بن يخلف الراشدي، سيدي محمد بن عبد الرحمان، وسيدي عمران بن محمد. هؤلاء عدول زمانهم يحملون معهم وثائق ثبوتية لشرفهم و حسبهم و نسبهم الطاهر و لا يخرج منهم إلا فاسق أو كافر، ونعوذ بالله من الشك والشرك و أيضا بتلمسان، سيدي يحي بن أعمر، سيدي محمد بن خالد أتواتي سيدي يحي بن عيسى بن عبد الوهاب العجراني، هذه القائمة الثلاثية كتبها سيدي أحمد بن الناصر في القرن الثامن الهجري.
يقول سيدي محمد ابن يخلف دفين ولهاصة : " انتهى هؤلاء الشهود الونشريسيون و القضاة الكائنون من هؤلاء السادات و سيدي يحي بن عبد الواد، هذا الذي رأيت رسم الشجرة المنسوبة على ظاهر مولاي إدريس بفاس للشرفاء و شهودها و كاتبها و السلام و يعم الوقف على من كتبه و صلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم تسليما " وقد اتفقوا على صحته العلماء الفقهاء الراغبون الوارعون هذا منقول من ثقات إلى ثقات إلى رسول الله ليلة الخميس من شهر صفر عام 851 هجرية نسأل الله التوفيق و يهدينا و إياكم إلى الطريق بجاه أهل التحقيق آمين و الحمد لله رب العالمين.
وفاته : و كانت وفاته يوم الأربعاء لست بقين من رجب سنة 857 هجرية ودفن بولهاصة.
سيدي أحمد أغربي
مولده : ولد سيدي أحمد أغربي بولهاصة و بالضبط بلدية بني صاف سنة 886 هجرية.
نسبه : سيدي أحمد أغربي بن سيدي محمد ابن يخلف بن علي بن يحي بن راشد بن فرقان.
دراسته : اشتغل والده بالعلم و الكتابة مع الصناعة الأندلسية التي رجحت بقدوم الجالية لهذه الديار، وما انقضى على هذه العائلة حتى ولد مترجمنا وهو الإبن الرابع لسيدي محمد ابن يخلف ( دفين ولهاصة ) وما شب سيدي أحمد أغربي حتى تعلم كأمثاله من أبناء البيوتات الشريفة مبادئ القراءة و الكتابة و ظهر نبوغه في الحفظ و بإتقان و حفظ القرآن العظيم و اشتهر بالبداهة و سرعة الحفظ مع عفة النفس ورقة الشعور و كان لوسطه العائلي أثر كبير في نفسه وفي تكوين شخصيته، فسيدي أحمد أغربي انتقل إلى عزازقة حتى تمت للبيت النبوي الشريف ( فالنزوح بدأ من الراشدية ووصل إلى ولهاصة و استقر ببلدية عزازقة ) و التي لا يبعد أن ينصرف ناشرها عن التصوف و سلوك طريق القوم و لو أداه ذلك إلى الانقطاع عن درس العربية الذي سعى له والده سيدي محمد، فلقد أجلسه حال صباه لقراءة النحو على بعض أهل العلم فلم يصل به الحال حتى أنقطع عن تلقي الدرس عن الشيخ و اكتفى بالتأمل و التفكير في الخالق قبل الخلق فكانت له سياحة و أوصله المطاف إلى هذه البلدة التي مات فيها والتقى فيها بالصوفيين فأخذ عنهم و كان من مريديهم كما أخذ عنهم آداب السلوك و أسرار الطريق و احتفى به مشايخ منطقة عزازقة و أجازوه، و لبث هناك بضع سنين حتى ظهرت فيها بواكير نبوغه و بشائر ذكائه و فهمه و تبدت آيات فريضه و ظهرت شاعر يته المخبوءة في نفسه ثم حن إلى وطنه وتاقت نفسه إلى ولهاصة مسقط رأسه و اشتاق إلى أهله وعشيرته.
وفي الفترة التي نزل بها انتصب للقراءة و الأقراء قرب زاوية سيدي منصور وكان من بين المشايخ العديدة التي عاشرهم أقتطف البعض منهم وهم على التوالي : مفتى المالكية أبو عبد الله المسدالي موسى العبدوسي الولهاصي الأصل، سليمان الحسناوي البعائي، محمد بن أحمد التلمساني. فملأ وطاب له من المعقول و المنقول و بلغت شهرته فانحاشت إليها الطلبة من كل حدب و صوب. ولقد أقام أحسن قيام بالتدريس فأفاد إفادة عظيمة وتخرجت عليه طبقة من العلماء و الأدباء الفحول، لقد جاور سيدي أحمد أغربي صلحاء لم يتعرض لهم أحد من قبل، فوادي أقبو و الجبل المنفرد الذي هو مملوء بالأولياء المشهورين و التي تغنى عن ذكرهم و تعظيمهم، فيقوم مقام بيانهم و تبيانهم و جميل آثارهم وذلك ليتم المقصود الروحاني و النور الرباني. فمثلا جاور الوالي الصالح الشريف الحسيني سيدي أحمد بن يحي نفعنا الله ببركاته و جعلنا من أهل وده و نسبه و الذي يتصل نسبه بنسب أهل فليته وأهل غريس، و كذا فرقة أخرى من الشرفاء الصالحين الذين استوطنوا بجبل وهذا الجبل يقرب من بلده بجاية وأنهم من قبيلة مزايا. و كانوا في آخر القرن التاسع الهجري وهكذا عاش سيدي أحمد أغربي في هذا البلد العالي متقلبا في أكفانه النعمة والهناء ما ينقصه وما يدركه وما وجده في هذا المنطقة من يسر الحال و الإسعاف ترف الآمل الجميلة آمنا من نائبات الدهر و يذكر الليالي و الأيام الهنيئة التي قضاها في هذه المنطقة و يثنى عليها و يحمدها لولا مرارة الغربة ووحشها والدعوة لذكر مسقط رأسه في كل وقت و في كل حين فولهاصة و غريس ينظر إليهما نظرة زفرات و حسر مع العلم أن نهاية مطافه كانت و بقيت ببلدة عزازقة إلى أن وافاه القدر المحتوم مخلفا بنين و بنات بحيث لازال أحفاده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وفاته : لقد وافاه الأجل المحتوم صباح الأربعاء ثالث رجب سنة 969 هجرية فكانت وفاته مصابا عظيما فقدت فيه منطقة عزازقة نجما ساطعا و كوكبا لامعا و قد كان هذا الرزء شديدا على أصدقائه وعارفي فضله و مقدري نبوغه و علمه و على طلبته ومريديه، وقد انطوت صفحة من أنصع الصفحات من تاريخ سيدي أحمد أغربي رحمه الله و نفعنا ببركاته آمين، وقد خلف وراءه نجلا طاهرا شريفا مكرما لازال محافظا على عاداته و تقاليده و ذلك بفضل أحفاده الموجودين إلى يومنا هذا
.
سيدى امحمد
فقد استقر في بلد أبيه فهو الذي كانت منه أولاد سيدي يخلف الغريسين. وكان سيدي أمحمد فصيح اللسان، كثير الإصابة و البيان، وممن يقلد في الفنون الآداب وعلوم الأديان و يستجيب الذين آمنوا و عملوا الصالحات و يزيدهم من فضله ، و قد أسرع هذا الابن الذكي التنقل عن سلوك طريقة المتفحصين إلى الناظر في علوم الدين و بقى أصحابه جاعلين شعارهم الأشعار.
دعني بفقهك يـا ابن يخلف أنني رجل غدا بفوائدي الأشعـار
أن التفقـه و التنسك و التقـى أنساك ذكر الخرد الأبكـار
وقد أنجب ابنا واحدا و ثلاث بنات : أحمد الزحاف أم كتثوم، رقية و زينب. رحم الله سيدي أحمد الزحاف، إنه من أصحاب الإيثار والسخاء، المقصود في الشدة و الرخاء سلك في النسك والزهد، أنهج المسالك، و تحرى جهده فيما يبعد عن المهالك. سيدي أحمد الزحاف هذا ممن سكن بجبل والديه و ليس الجبل قديما له بدار لكنه نشأ فيه واستقر خير استقرار، ووسعه ما وسعه في الأيسار و لمصيره غلب اسمه ما غلب على لسانه الفصيح، فكان اسمه الزحاف مشهورا بين أهل وقته، انه المقدم في علم البرهان و الاستدلال، الرادع لقيام أهل البدع و الضلال إنه من الشيوخ المجتهدين في أفعال البر المخلصين في العلانية والسر المعمر في الطاعة الذي لم يخل من العبادة يوما ولا ساعة.
من تراثه الفكري : وقد ختم تأليفه بهذه الفقرة التالية : " بحمد الله كمل الجزء الأول من جواهر الدرر، في حل ألفاظ المختصر وصلى الله على سيدنا محمد صلاة وسلاما ما اتصلت عين بنظر وتزخرفت الأرض بمطر، وحج حاج ووقف و اعتمر. وحلق و نحر وطاف بالبيت و رضي الله تعالى عن آله وصحابة أولياء الأتباع والأثر و أزواجه و ذريته ما غار كوكب في الأفق و ظهر على يده عبيد الله و أحقر عبيده و أحوجه إلى توفيقه أحمد الزحاف الغريسى غفر الله له ذنوبه و ستر في الدارين عيوبه و كان الفراغ من نسخه في اليوم العاشر من شهر الله المعظم المحرم من عام 929 هجرية " عرفنا الله غيره و وقانا شره آمين. و خلف سيدي أحمد الزحاف ابنا و هو سيدي سعيد. إنه شيخ الصيانة و النزاهة و ركن الديانة و الفقاهة المحافظ على طريق الصديقين و المطروح في حرمة الخالق حرمة المخلوقين الآتي بيت الصلاح من بابه، له الكعب العالي في أهل زمانه، و المتقدم في فضله ومكانة. إنه يعد من ذوى المآثر الأثيرة، ومن كان يدعو إلى الله على بصيرة، حمل فقها جزيلا وكان باعه في العقائد طويلا و أحد الزهاد الزاهدين، لقد تعلم العلوم و علمها و رتب القواعد اللغوية وأحكامها، وجمع ذلك في سلك واحد، بين غرائب اللغة والفقه. و يعتبر سيدي سعيد سيد النسك و التبتل و المكرم بالدعاء المستجاب المتقبل رفض شهوات النفس، فبان بآسني المنازل، و استوجب الرقي في درجات الأفاضل أزدرى أهل زمانه. رحم الله هذا الشريف الطاهر ابن البتول.
مقتطف من مخطوطه على ألفية ابن مالك : وقد أستهل في بداية تأليفه على ألفية ابن مالك : " الكلام هو المصطلح عليه عند النحاة عبارة عن اللفظ المفيد، يحسن السكوت عليها، فاللفظ جنس يشتمل الكلام، والكلمة والكلم، و يشتمل المهمل كديز و المستعمل كعمر والمفيد أخرج المهمل و فائدة يحسن السكوت عليها. أخرج الكلمة و الكلم إلا من اسمين نحو زيد قائم أو من فعل و اسم كقلم زيد و كقول استقم، فانه كلام مركب من فعل أمر مستتر و التقدير استقم أنت "، وقد ختم تأليفه سيدي سعيد بن أحمد الزحاف بما يلي : " وهذا ما يسر الله الكريم ذكره على هذه المقدمة المباركة، انتهى بحمد الله و حسن عونه و توفيقه الجميل و صلى الله على سيدنا محمد وآله و صحبه و سلم تسليما و هو حسبنا الله و نعم الوكيل ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، على يد كاتبه لنفسه و لمن شاء الله بعده، عبد ربه تعالى و أقل عبيده كثير الذنوب قبيح العيوب، سعيد بن أحمد الزحاف الغريسي دارا ومنشأ الراجي عفو مولاه و اعتصامه في الدارين و كان الفراغ منه يوم الاثنين وقت الظهر في شهر ذي القعدة بعدما مضت منه تسعة أيام سنة 959 هـ ". و قد خلف سيدي سعيد ابنا واحدا وهو سيدي علي أمحمد، قرأ عليه القطب الواضح والشيخ الناصح، مغيث الإسلام، حامل لواء الشريعة سيد الأنام الجامع بين الشريعة و الحقيقة، أبو الحسن علي الشريف فقرأ القرآن على والده، ثم على الولي الشريف الحسني ثم أظهره، فسافر هو و الشيخ عبد الرحمان بن علي بن عثمان المشهور على ألسنة الناس سيدي دحو بن زرقة إلى مجاجة عند العلامة الكبير، القطب الشهير، شيخ الشيوخ على الإطلاق ومن ترجع إليه الناس في المسائل عند الشقاق، سيدي محمد بن علي البهلولي المجاجي الوطاسي للقراءة فمكثا إلى أن تمهرا في كل علم و أخذ عنه الطريقة الشاذلية ثم أمرهما بالرجوع إلى معسكر و قد أمر سيدي دحو بأن يكون تلميذا لسيدي علي الشريف و لا يفارقه إلى الموت، فرجعا معا، و اشتغل ببث العلم إلى أن فرقت بينهما الفريضة السماوية. كل شيء هالك إلا وجهه، رحم الله الشرفاء جميعا و نفعنا بكل بركاتهم آمين. و هذا على حسب ما جاء في الوثيقة المخطوطة و المؤرخة في سنة 985 هـ. وقد أنجب سيدي علي أمحمد أربعة أولاد : سيدي الصحراوي، سيدي بن تراري، سيدي سحنون، سيدي بن يخلف.
سيدي بن يخلف
مولده : ولد سيدي بن يخلف سنة 1007 هجرية بمنطقة الراشدية وفي مكان يدعي عين الحجر و تسمى ألحجر البيض، وأمه رقية بنت سيدي عبد الله.
نسبه : سيدي بن يخلف بن على أمحمد بن سعيد بن أحمد الزحاف بن أحمد ابن يخلف بن علي بن يحي بن راشد بن فرقان.
دراسته : لقد تلقى في زاوية والده القرآن الكريم و الفقه والحديث والتفسير عن شيخ من سجرارة. و قد نبغ سيدي بن يخلف في كثير من الفنون و خاصة قراءة القرآن الكريم و دراسة رسمه، و حفظه عددا كبيرا من الأحاديث النبوية، و نعته شيخه سيدي بن حليمة السجراري و سماه إمام الوجود و شيخ التعديل، كما عرفه شيخه بالمحدث و الفقيه المتظلع في الفنون هذا جزء من شهادة شيخه سيدي بن حليمة.
سفره إلى راس العين : لقد سافر سيدي بن يخلف إلى راس العين التي تبعد عن مدينة معسكر بحوالي خمسة كيلومترات و ذلك ليتابع دراسته عند الشيخ عبد الرحمان المدعو سيدي دحو بن زرفة و هذه القبيلة بلغت من الشهرة حدا كبيرا في العلوم. لقد نزل سيدي بن يخلف بهذه المنطقة المسماة " رأس الماء " أو " رأس العين " فأمضى سريعا دارسا النحو و التوحيد و الحديث والفقه وعلم الحساب فلما لاحظه شيخه أحبه كثيرا عن أقرانه، و بعد ما رأى فيه نظرة جيدة وضعه في منصب أمين على الطلبة. لقد كان لسيدي بن يخلف سيرة خاصة حيث كان كاتما سر شيخه و سر طلبته ثم بعد ذلك يمضى التاريخ سريعا. والصلة بين سيدي بن يخلف و زملائه الطلبة وبين شيخه قوية ومتينة لا تنفك أبدا لقد ألم بجوانب العلم و بلغ درجة في الفهم و الإدراك فقد أتم ما بقي على شيخه السابق، لقد كان أمام شيخه سيدي عبد الرحمان أدبيا رقيقا، فصيح اللسان، ازداد في العلم و التضلع حيث أصبح حلو الألفاظ، حسن الحديث، أعرف الناس كيف تكلمت العرب و كيف كان مستواهم اللغوي، كان أحسن الطلبة ألفاظا بالقران الكريم وأسرعهم نفوذ في غامض مسائل النحو، إنه يعتبر من العلماء المحققين، لقد كان يؤلف ما حققه عند شيخه ويجري التجارب الشخصية على الفنون التي يدرسها، لقد حفظ الصحيحين و أتم شرح البخاري على يد شيخه سيدي عبد الرحمان، لقد ساعد شيخه في نسخ تأليف قام به رحمه الله كان يحدوه حادي العلم والرغبة و الإرادة الصادقة لهذا تجشم الصعاب حتى أعطاه الله ما يريد إنه حمل راية الحديث بلا نزاع، إنه من العلماء المحققين في الحديث فلازم شيخه سيدي عبد الرحمان ملازمة كبيرة وقرأ عليه ما شاء الله من الدواوين و الكتب وأخذ عنه الأجازة وخصه شيخه بالإكرام في نهاية المطاف وهيأ له الجو المناسب.
مكانة سيدي بن يخلف العلمية : أكرمه الله سبحانه و تعالى بمواهب جليلة و صفات كريمة عظيمة حتى كاد أن ينفرد بهذه المواهب الجليلة إنه وحيد في زمانه لم يدن أحد في فضله و علمه ممن عاصره فقد فاق غيره بمكانته الوهبية، و مواهبه العلمية، انه انتهل من علوم شيخه سيدي عبد الرحمان، لقد كان يحبه الشيخ عبد الرحمان من بين مجلسه العلمي، يفضله في الصلوات الخمس و صلاة التراويح و صلاة العيدين. وقد ورد هذا الكلام في تأليف الشيخ عبد الرحمان المسمى " ياقوته المرجان " والذي يؤكد فيه بأن سيدي بن يخلف من أفقه تلامذته، و أنه أفضل زمانه في العلم و المعرفة والأخلاق إنه الأمام الصوفي الصالح العابد له العلم بالحكمة، و له معرفة كاملة في طريق الصوفية.
قائمة الطلبة الذين درسوا معه : إن النجوم التي درست معه هي في الحقيقة علامات يهتدي بها و هي كالتالي : عبد الرحمان درعيني قرأ عليه السبع، محمد بن حسناء تعلم عليه في دينه، سيدي بن يخلف أخذ عنه النحو و التوحيد والفقه والحديث، سيدي أعمر التراري قرأ عليه النحو و الأصول و التفسير، سيدي عفيف قرأ عليه العلم الحيسوبي وعدد كثير من الطلبة.
عودته إلى مسقط رأسه : لقد تم تسريح سيدي بن يخلف من طرف شيخه حيث عاد إلى زاوية والده و شرع في إعطاء الدروس لأبناء منطقته فازداد مجلسه العلمي و أخذ أبناء الراشدية يتوافدون عليه ليأخذوا عنه ما يلقيه عليه من الأدب والحكمة و يسجلون ما يرويه عليهم من الموعظة الحسنة و قد انتهل من علومه حشد كبير من المسلمين في أهل زمانه كما ساهم مساهمة إيجابية في نشر العلوم و إشاعة المعارف والآداب بين الناس و متابعة الطريق القادرية فذاع صيته وقصده طلاب العلم من كل صوب، فقد بلغ ما تلقاه من مشايخه سواء كان علما أو طريقة، لقد تولى عدة مهام أهمها محاضر يقصده الناس من آفاق المعمورة ليسمعون له، كما اكتفى في الأخير بالتدريس و التدوين و كلف تلاميذ ته بنسخ تأليفه إلى أن وفاه الأجل المحترم في اليوم الثالث من شهر ذي القعدة سنة 1099 هجرية و دفن بجوار أهله و ذويه وذلك بجبل الراقوبة رحمه الله و نفعنا ببركاته آمين.
الطلبة الذين تخرجوا عليه : مات سيدي بن يخلف لكن عمله لم يمت حيث بقي في صدور الطلبة الذين تخرجوا عليه و التراث الذي تركه. وهؤلاء الطلبة هم على التوالي : الشيخ أحمد بوجلال، الشيخ سيدي أحسن، الشيخ بن حواء، الشيخ سيدي العوني، الشيخ أعمر التراري، سيدي حمزة العمراوي.
مؤلفاته : لقد ترك وراءه ثروة علمية ضخمة لأبناء الراشدية أودعها في مؤلفاته المفيدة التي كان معظمها حول التفسير و الفقه و الحديث و التصوف. وكتب عنه عدة رسائل علمية كلها أشادت له بعلمه و فضله، انتفع بها أبناء عصره، وهناك رسائله الخاصة هي مقدمة تأليفه التي وضعها فاتحة لرأى المتصوفين، وقد عالج فيها موضوعيات تروق لهم و تفيدهم في دينهم ودنياهم و تقرب إلى أذهانهم أشياء قد يستصعبون فيما العلماء و طلاب العلم، وأما مراسلات التصوف فيها يسلك طريق الواعظ الذي ينشد صلاح الناس وتقوم عقائدهم و سيرتهم للعصاة و المنحرفين، هذا هو النزر اليسير الذي هو كل ما نعلم عن حياته و عن آثاره.
من تراثه الفكري : يقول " الحمد لله الذي جعل الفقراء حلية أوليائه و نورهم بأنوار معرفته و رحمته، و فجر ألسنتهم ينابيع حكمه و طهرهم من الناس بما أحتماهم به من لطفه و نعمته و الصلاة التامة على سيدنا محمد و آله و صحبه، فهذه إشارة إلى ما يعتمده الفقراء الصوفيين في طريقهم، جمعت من مصادر عديدة مما تضمنه من الأحاديث النبوية، و خرجت له ما حوته من الآثار الصوفية. لقد قيدت الكلام و رتبت الألفاظ و فسرت معناها وكان الفراغ منه يوم الثلاثاء بعد العصر قبل المغرب بعد ستة عشر خلت من ربيع الأول عام 1086 هجرية و كتبها الفقير بن يخلف بن علي أمحمد.
ما يقوله تلميذة أحمد أبي جلال : " الحمد لله وحده و صلى على سيدنا محمد وعلى آله، أعلم العلماء المتحدثين أبلغ البلغاء المتشرعين، حاوي فضائل المتقدمين و المتأخرين جامع أنواع العلوم وأنواعها الشرعية، مكمل الفنون الأدبية مقيد الفروع والأصول، ناهج من مناهج المعقول و المنقول، مجتهد زمانه، فريد عصره و أوانه شريف العلماء من أبيه وأمه، أوحد الفضلاء في مادته منبع روح اليقين، هذه المراسلة إلى شيخنا، سيدي بن يخلف بن علي أمحمد عليه ألف سلام، مادامت الأزمنة والأيام وكيف أنتم والأهل والأولاد وكافة الأخوة و الطلبة. لقد وصلت يا سيدي بن يخلف و يا شيخي والحمد لله والشكر لله على السلامة و العافية إلى طنجه بالمغرب يوم الأربعاء، فوجدنا سادتنا الإخوان في الزاوية قائمين مسافرين فحمدنا لله و شكرناه بوجودهم و وجود زاوية الأخيار الأبرار، وها أنا الساعة أتربص إن شاء الله على الركوب لفاس، رفع الله عنا وعنكم كل بأس ". كتب هذه الرسالة السيد أحمد أبن أبي جلال المشرفي يوم 12 جمادي الثانية 1089 هجرية.
في تأليف أبو الحسن علي بالبوري و الذي سماه على بركة الله " الجوهرة الكبرى "، هذا التأليف يتضمن أشراف و أعيان منطقة غريس " إن مكانة سيدي بن يخلف الصالح العلمية حيث أكرمه الله سبحانه و تعالى بمواهب جليلة و صفات خاصة كريمة عظيمة حتى كاد أن ينفرد بها، فاق غيره بملكاته الوهبية و مواهبه العلمية، إنه أنتهل من علوم مشايخه، و قد يعتبر هذا الشريف من أفقه التلاميذ و أنه أفضل أهل زمانه في العلم و المعرفة و الشرف، وقد ازدان مجلسه بعد عودته بأهل العلم حيث أنهم جاءوا يأخذون عنه ما يلقيه عليهم من الآداب و الحكمة و يسجلون ما يرويه عليهم من الموعظة الحسنة، وقد أخذ عنه حشد كبير من المسلمين في أهل زمانه من بينهم سيدي بالغيثات المغربي و سيدي أحمد بن عربية، كما ساهم مساهمة ايجابية في نشر العلوم الإسلامية وإشاعة المعارف بين الناس، و قد وافته المنية يوم الثاني من الشهر ذي القعدة 1099 هجرية ودفن بجوار جده سيدي يخلف الكائن بجبل الراقوبة.
وقد حضر جنازته جمع غفير من الأهالي و صلى عليه العلامة سيدي أحسن بن دحو بن زرقة، وله عقب صالح حيث أنجب عشرة أولاد وثلاث بنات إحداهن قد أنكحت بأحد أبناء سيدي أمحمد بن يحي وهو سيدي محمد الكبير أما أبناؤه العشرة هم : سيدي المصطفى، سيدي الطاهر، سيدي المكي، سيدي الفرادى سيدي بن حواء، سيدي أحمد المليانى، سيدي بن عامر، سيدي محمد الصغير، سيدي عدة، سيدي ظيفور.