حيث انتهى الكاتب في مقاله المشار إليه في الهامش إلي أن النص الجزائي الذي قصد المشرع من خلاله حماية صاحب الحق ، و ضمان التنفيذ ضد الإدارة يطرح عد صعوبات و تناقضات لاسيما إذا استحضرنا التعريف الدقيق للوظيف العمومي و الخدمة العمومية المرفقية التي يقوم بأدائها بصفة منتظمة و مضطرة ، و السلطة الرئاسية التي يخضع لها الموظف العمومي ، و طبيعة الأعمال التي ينبغي القيام بها بحكم صفته ، و ما هي معايير التمييز و التفرقة بين الأعمال التي يقوم بها الموظف بصفته الشخصية أو بصفته المرفقية ؟ كل ذلك يطرح إشكالات تحول دون أن يكون للنص الجزائي الفعالية المنشودة خاصة إذا علمنا أن الموظف العمومي لا يكون مسؤولا جزائيا عن الغير (( أي المرفق العمومي )) نظرا لشخصية العقوبة الجزائية تطبيقا لنص المادة الأولى من نص قانون العقوبات الجزائري .
بالإضافة إلي هذا الضمان القانوني لتنفيذ القرارات الإدارية الصادرة عن القضاء في مواجهة الإدارة ، هناك نص قانوني آخر يضمن تنفيذ القرارات الإدارية الصادرة عن القضاء الكامل فيما يخص بتعويض ألا و هو القانون رقم 02/91 الصادر في 08/11/1991 المتعلق بالأحكام الخاصة ببعض القرارات القضائية و شروط تنفيذها ضد أو لفائدة الهيئات العامة أو الأشخاص الخاصة بواسطة قباضة الخزينة .
فبالرغم عن محاولة المشرع المتكررة و المتنوعة لحماية و ضمانة تنفيذ القرارات الإدارية و القضائية إلا أنها تبقي غير كافية و أحيانا غير مجدية بل تبقى كما قال أحد قضاة القضاء الإداري عندما تساءل عما مدى حجية و قوة الأحكام القرارات القضائية عند تماطل الإدارة عن التنفيذ : << إن تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية الصادرة في مواجهة الإدارة يرتبط أولا و أخيرا بشرف هذه الإدارة التي يفترض فيها خضوعها للقانون و للشرعية و التزامها طواعية بتنفيذ أحكام تصدر باسم الشعب كله >> (12) .
»الخاتمــــــة :
مما سبق يتبين و أن الصراع الطويل بين القضاء و الإدارة عبر التاريخ من أجل تحقيق التوازن بينهما قد أفضى بالقضاء الإداري خاصة في أوروبا و مصر إلي اعترافه باستقلالية الإدارة التنفيذية بمناسبة أدائها لوظيفتها المرفقية المتشعبة و المتنوعة إعمالا لمبدأ الملائمة .
غير أن القضاء في هذه الدول ظل يمارس وظيفته الرقابية على أعمال الإدارة بكل أمان و نزاهة ، بل أصبح ضمانا قويا لحماية المتقاضين من تعسف الإدارة و تجاوزها للسلطة ضد الأشخاص الخاصة ، خاصة عندما سن المشرع الفرنسي قانوني سنة 1995 و 2000 اللذين بموجبهما أصبحت الإدارة تخضع مثلها مثل الشخص الخاص إلي القانون ، فتجبر على تنفيذ أحكام و قرارات القضاء تحت طائلة الغرامة التهديدية .
و هو بالمناسبة ما نقترحه على المشرع الجزائري الأخذ به لاسيما و أن المشرع الدستوري الجزائري قد أخذ بالقضاء المزدوج من خلال التعديل الدستوري لعام 1996 ، و القوانين اللاحقة عليه للتنظيم القضائي الجزائري سيما إنشاء المحاكم الإدارية و مجلس الدولة و مهامها و كيفية سيرها .
فندعو المشرع الجزائري إلي الاستفادة من تجارب مجلس الدولة الفرنسي سن قوانين صريحة و جريئة لمنح القضاء الإداري سلطة توجيه أوامر للإدارة ، بل و توقيع الغرامات التهديدية ضدها لضمان تنفيذ أحكامه و قراراته ، و بالتالي ضمان إيجاد التوازن المطلوب بين الأشخاص العامة و الأشخاص الخاصة ، و ذلك كله في إطار وظيفته القضائية ، و في إطار مبدأ رقابة القضاء على أعمال الإدارة .
الهوامــــش :
(1) M. waline : le contrôle juridistionnel de l administration , 1949 p 200.
(2) R . debbach : le juge administratif et injonction : la fin d un tabou j.c.p 1996 , doctrine 3924 m p161.
(3) J.moreau : étrangère au pouvoire du juge , l injonction pouvoire le serait –elle r.f.d adm 1991 p 112 .
(4) C.E mars 1938, res , p256
(5) C.E 29/04/1939 rec . p375
(6) C.E 10/12/1943 rec , p288
(7) د . حمدي علي عمر : سلطة القاضي الإداري في توجيه أوامر الإدارة ( دراسة مقارنة ) دار النهضة العربية 2003 ص 15 .
( حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في 12/05/1990 ، طعن رقم 1524 لسنة 35 ق . الموسوعة الإدارية الحديثة جزء 33 ص 74 .
(9) د . يسري محمد العصار : مبدأ حظر توجيه أوامر من القاضي الإداري للإدارة و حظر حلوله محلها و تطوراته الحديثة ( دراسة مقارنة ) دار النهضة العربية ص 60 .
(10) د . حمدي علي عمر مرجع سابق ص 28 .
(11) Abdelechafid . mokhhtari : de equelque reflexions sur l article 138 bis du code pensl . revue du conseil d etat n 02 . 2002p 23 .
(12) صاحب المقال مجهول الإسم : (( المادة السابعة من القانون رقم 90/23 و انعكاساتها على القضاء الإداري . ملتقى قضاة الغرف الإدارية ، الديوان الوطني للأشغال التربوية 1992 ص 135 .
الاستاذ / سقاش ساسي